( الصفحة 220 )
مسألة 7 : يكره للمسافر في شهر رمضان ـ بل كلّ من يجوز له الإفطار ـ التملّي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه وإن كان الأقوى جوازه 1 .
مسألة 8 : يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص : الشيخ والشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم ، ومن به داء العطاش; سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه ، والحامل المقرب التي يضرّ الصوم بها أو بولدها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها ، فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون ، ويجب على كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمُدّ من الطعام ، والأحوط مُدّان ، عدا الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم ; فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة ، كما أنّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما ـ لا بولدهما ـ محلّ تأمّل2 .
1ـ وجه الكراهة حفظ حرمة شهر رمضان ـ الذي هو شهر الله ، خصوصاً بالإضافة إلى المسافر القادر على الصيام ـ ولا خصوصيّة للجماع وإن احتاط فيه استحباباً بالترك ، وقد دلّ على كلا الحكمين روايات ، فراجعها(1) .
2ـ الكلام في هذه المسألة في مقامات :
الأوّل : أ نّه يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص ، فاعلم أنّ الآية الشريفة(2)الواردة في فريضة الصوم ـ وأ نّه مكتوب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم(3) ـ قد وقع فيها التعرّض لعناوين ثلاثة : الشاهد للشهر ، ومن كان مريضاً ،
- (1) وسائل الشيعة 10 : 205 ـ 208 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 13 .
(2، 3) سورة البقرة 2 : 183، 185.
( الصفحة 221 )
أو على سفر ، وفي الذيل قوله ـ تعالى ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}(1) ، والظاهر أ نّ الالتزام بأنّ كلمة «لا» محذوفة قبل قوله ـ تعالى ـ : { يُطِيقُونَهُ و } مشكل جدّاً ; لأنّه لا يلائم مع كون الآية في مقام بيان هذه الفريضة المهمّة ، وأنّها الآية الأوّليّة الدالّة على هذا الحكم المهمّ .
فالأولى أن يقال كما قيل بأنّ المراد من «الذين يطيقونه» هم الذين إذا أرادوا الصوم لابدّ وأن ينفقون نهاية طاقتهم وقدرتهم في هذا الطريق ، وبدونه لا يقدرون أصلاً ، ففي الحقيقة يكون الصيام في غاية العسر والحرج ، وهو المناسب ـ لما في ذيل الآية ـ من إرادة اليسر دون العسر .
وكيف كان ، فنفس آية الصوم ظاهرة في عدم وجوب الصوم على الشيخ والشيخة في صورة تعذّر الصوم عليهما أو تعسّره ، مضافاً إلى قاعدة نفي الحرج، وإن كان التعبير بالجواز في عنوان المسألة ـ كما في المتن ـ ربما يشعر بل يدلّ على عدم وجوب الصوم تعيينيّاً عليهما ، إلاّ أنّ الظاهر وجوب الإفطار عليهما كما يدلّ عليه قوله : «فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون » . ويدلّ عليه أيضاً ما اخترناه في قاعدة «لا حرج»; من أ نّ السقوط فيها إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة (2)، ومع قطع النظر عن الآية فالروايات الواردة في هذا المجال كثيرة :
منها : ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ولا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما . وفي سند آخر للشيخ عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) :
- (1) سورة البقرة 2 : 184.
(2) قاعدة نفي الحرج ، المطبوع ضمن ثلاث رسائل : 157 ـ 162 .
( الصفحة 222 )
ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام(1) .
ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة أيضاً عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال : تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة (2) . والراوي مهمل .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان ؟ قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين(3) .
ومنها : مرسلة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} . قال : الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ(4) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك ، الواردة في تفسير الآية المباركة أو مستقلّة (5). والدقّة تقضي بأنّ المراد منها وجوب الإفطار عليهم ولزوم التصدّق ، والحمل على التخيير بين الصيام والتصدّق خلاف الظاهر .
ومن الأشخاص المذكورين في المسألة ، الحامل المقرب إذا كان صومها مضرّاً
- (1) الكافي 4 : 116 ح 4 ، الفقيه 2 : 84 ح 375 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 697 و 698 ، الاستبصار 2 : 104 ح 338 و339، وعنها وسائل الشيعة 10: 209 ـ 210، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب15 ح1 و2.
(2) الكافي 4 : 116 ح 2 ، الفقيه 2 : 85 ح379 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 696 ، الاستبصار 2 : 103 ح 337 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 4 .
(3) الكافي 4 :116 ح3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح5 .
(4) الكافي 4 : 116 ح 5 ، الفقيه 2 : 84 ح 377 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 6 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 209 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصح منه الصوم ب 15 .
( الصفحة 223 )
بها أو بولدها ، بلا إشكال ولا خلاف(1) في شيء من الفرضين .
أمّا في الفرض الأوّل ; فلأنّه ـ مضافاً إلى أنّه من مصاديق المريض توصيف الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في بعض الروايات المتقدّمة بحصول الضعف عن صوم شهر رمضان ، وإلى أنّه من مصاديق شبه الكبير أو العطاش ـ ما ورد فيما هو أهون من شهر رمضان من النذر من رواية محمد بن جعفر قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقو على الصوم ؟ قال : فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين(2) .
وأمّا في الفرض الثاني ، فقد استدلّ(3) له بلزوم حفظ النفس المحترمة ، والفرض عدم التمكّن من الجمع بينه وبين الصوم ، ومن الواضح أهمّية الأوّل ، لكنّ الضرر المتوجّه إلى الولد أعمّ من هلاكه ، ومسألة وجوب حفظ النفس المحترمة وأهمّيته من جميع الواجبات غير منقّحة موضوعاً وحكماً . وهل يحتمل أن يجب على الإنسان رفع اليد عن أعماله وبذل أمواله للمرضى الموجودين في المستشفيات الذين يجري فيهم خوف الهلاك ؟ واللازم تنقيح المسألة، خصوصاً مع ملاحظة أهمّيتها وكثرة الآثار المترتّبة عليها .
وعلى أيّ، فالظاهر أنّه لا خلاف في جواز الإفطار لها إذا كانت خائفة على ولدها دون نفسها .
- (1) رياض المسائل 5 : 491 ، جواهر الكلام 17 : 151 ، مستمسك العروة 8 : 449 ، المستند في شرح العروة 22 : 50 .
(2) الفقيه 2 : 95 ح 424 ، الكافي 4 : 137 ح 11 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 216 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 2 .
(3) المستند في شرح العروة 22 : 50 .
( الصفحة 224 )
ومنهم: المرضعة القليلة اللبن كذلك ; يعني إذا كان الصوم مضرّاً بها أو بولدها ، ويدلّ على الحكم فيها صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ; لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه ، تقضيانه بعد(1) . والتعليل الواقع فيها يفيد اُموراً :
الأوّل : عدم ثبوت الحكم في المستثنى منه بصورة الإطلاق ، بل يختصّ بما إذا كان الصوم حرجيّاً .
الثاني : أنّ ثبوت أصل الحكم إنّما هو لدخولهما تحت قوله ـ تعالى ـ : {وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُو . . . }إلخ(2). غاية الأمر أنّه حينئذ يشكل بأنّ ظاهر الآية ـ بالإضافة إلى الأشخاص المذكورين ـ وجوب الفدية بدلاً عن القضاء ، فالجمع بين وجوب التصدّق ووجوب القضاء فيما بعد، كأنّه خارج عمّا هو المتفاهم عندنا من الآية .
الثالث : أنّ الملاك نفس المرضعة لا ولدها ، فالحكم بالنسبة إلى الولد يحتاج إلى دليل آخر ; وهو ما ذكر في الحامل المقرب الذي يضرّ الصوم بولدها ، وقد عرفته مع ما فيه .
المقام الثاني : في مقدار الفدية .
فنقول : ظاهر الآية الشريفة في قوله ـ تعالى ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 239 ح 701 ، الكافي 4 : 117 ح 1 ، الفقيه 2 : 84 ح 378 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 215 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 1 .
(2) سورة البقرة 2 : 184 .